خبير الاعشاب والتغذية العلاجية عطار صويلح 00962779839388

Showing posts with label * فقة الصيام *. Show all posts

Wednesday, 14 October 2015




الصوم في الإسلام

الصوم لغة الإمساك والامتناع، ومنه قول الله تعالى عن مريم ﴿ فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26]
بمعنى امتنعت عن الكلام. وفي الشرع: ترك الطعام الشراب والجماع من طلوع الفجر الصادق حتى غروب الشمس ابتغاء مرضاة الله. وهذا الامتناع ليس هو الغاية وإنما هو وسيلة كبرى إلى العروج بالإنسان الصائم للوصول به إلى مرتبة التقوى. قال تعالى في حكمة الصيام ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

ولو قسنا الصوم بالصلاة لوجدنا أن الصلاة تنتظمها عدة أعمال تبدأ من تكبيرة الإحرام حتى الخروج منها بالتسليم. وكذلك فإن الصوم تنتظمه عدة أعمال، وهي على كثرتها يمكن حصرها في ثلاثة أحاديث. منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به". والصيام جنة. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وان سابه أحد فليقل إني صائم.." الحديث.

والحديث الثاني ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".

والحديث الثالث ما رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

وقد استهل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه الأول بقوله عن رب العزة "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" لأمر هام إذ أن فحوى هذه الجملة أن العبد يجب أن يتوفر في صومه الإخلاص لله، وهو عنصر توحيد الله في العبادة، وأي عبادة يفقد صاحبها الإخلاص هي عبادة باطلة. وأي عبادة سوى الصوم يمكن أن تكون مراءاة إلا الصوم فإنه يكتنفه السر بين العبد يجب أن يتوفر في صومه الإخلاص لله، وهو عنصر توحيد الله في العبادة، وأي عبادة يفقد صاحبها الإخلاص هي عبادة باطلة. وأي عبادة سوى الصوم يمكن أن يتناول الإنسان المفطرات دون أن يراه الناس، فجاءت هذه الجملة لتقول إذا لم يكن صومك لله وحده فلا داعي له. وقوله صلى الله عليه وسلم "والصيام جنة" بضم الجيم يعني وقاية، وفي لفظ آخر "ما لم يخرقها بالغيبة". أما قوله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق" أما الرفث فهو الفحش بالقول والفعل، والفسق معناه الخروج عن طاعة الله. وفي رواية أخرى "ولا يصخب" ومعناه رفع الصوت بلا مناسبة. وهذا يعلمنا آداب الصوم وما يجب أن تكون عليه أخلاق الصائم. ولما كان اليوم يجمع بين الليل والنهار.. فإنك ترى من يفهمون أن هذه الآداب يلتزم بها الإنسان في نهاره فقط، حتى إذا أقبل الليل حل له جميع الموبقات التي منع نفسه منها في أثناء النهار بحجة الترفيه من عناء الصوم .. بل بلغ من شدة الغفلة عند بعضهم أن يلعبوا الورق والنرد في ساعة العصر وهم يظنون أن ذلك تسلية لوقت الصيام.

وإذا كان الإسلام لا يمنع رد عدوان من اعتدى عليك في مثل قوله تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها" فإنه في رمضان يدعو إلى العفو والإصلاح "وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل أني صائم" غير أن المفاهيم قد انقلبت تمامًا عند بعض الناس.. فإذا ما رأوا إنسانًا شرس الطبع سيئ الخلق في نهار رمضان قالوا دعوه لأنه صائم.. وكأن الصوم سبب في سوء الخلق.. وهكذا يلصقون التهم بالصوم.

إن الطبيب الماهر يعالج مرضاه بأسلوب ذي شقين: أولًا: استخراج المرض من جسم المريض، وعندما يطمئن إلى ذلك يرده إلى الشق الثاني وهو محاولة تقوية صحته من الضعف الذي انتابه من المرض، وذلك بإعطائه جرعات مقوية حتى لا ينتقل إلى مرض أشد.

والمسلم قد يتعرض لأسباب الأمراض المعنوية الكثيرة وتسلط عليه الشيطان فبدل فيه الطاعة معصية. وقد تتغلب عليه شهواته.. فمهمة رمضان تمثل هذا.. يستخرج حظ الشيطان من نفوسنا بما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (الصيام جنة) والالتزام بآداب الصوم، ونستمر على هذا شهر كاملا حتى يصبح الخلق الحميد من طبيعتنا وسجايانا.. ثم تأتي بقية الأحاديث التي تحت على قراءة القرآن والمداومة على صلاة التراويح.. وهي تمثل تقوية الصحة الإيمانية عند الإنسان.

من هنا نقف على سر ذكر القرآن في أثناء الحديث عن الصيام. قال تعالى ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185] فالقرآن مع الصوم يمثل ملحمة عظيمة الأثر في نفس المسلم إذ القرآن هو كتاب الإسلام من عرفه فقد عرف الإسلام، ومن استزاد منه استزاد من الإسلام، ومن جهله وبعد عنه فقد بعد عن الإسلام.

وينبغي أن يتلى القرآن في رمضان - بصفة خاصة - قراءة تعقل وتدبر، في سبيل معرفة ما لنا وما علينا، وأن يتلى كله من أوله إلى آخره.

أما صلاة التراويح فهي ثماني ركعات ثم ثلاث الوتر، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها حيث سئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا وأربعًا وثلاثًا".

وصلاة القيام تعود على الإنسان بفتح باب الرحمة الإلهية له، ثم هي تجدد في الإنسان الإحساس بعبوديته لفاطر السموات والأرض، فإن تكرار ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] له أعظم الأثر في نفس المصلي إذا عقلها.

فالصوم التزام وترابط وربط على القلوب، يدخله الإنسان وهو مثقل الأمراض ويخرج منه في أتم صحة وقوة في إسلامه ويقينه وأخلاقه ومعاملته.. فهو يعود الصدق ويعلم الأمانة ويربي في الإنسان الشجاعة ويعود الصبر والوفاء ويربي في الإنسان ملكة مراقبة الله تعالى. فهل بعد ذلك نعمة!؟ ولكن يا ليت قومي يعلمون..





مختصر الكلام على بلوغ المرام
(باب صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ)

645- عَنْ أَبي قَتَادة الأنصاري - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ عنْ صَوْمِ يوْمِ عرفة فقال: "يُكفِّر السّنةَ الماضية والباقية" وسئل عَنْ صيام يوْم عاشُوراءَ فقال: "يُكفِّر السّنَة الماضية" وسُئل عنْ صوْم يوْم الاثنين فقال: "ذلك يوْمٌ وُلدتُ فيهِ، وبُعِثت فيه، وَأُنْزلَ عليِّ فيه" رواهُ مسلمٌ.
 
الحديث دليل على استحباب صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الاثنين.
 
646- وعنْ أبي أَيوب الأنصاريِّ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "منْ صامَ رمضان ثمَّ أَتْبَعهُ ستّاً منْ شوَّال كانَ كصيام الدَّهر" رواهُ مُسلمٌ.
 
الحديث دليل على استحباب صوم ستة أيام من شوال سواء كانت متوالية أو متفرقة، وعن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صام رمضان فشهره بعشر، ومن صام ستة أيام بعد الفطر فذلك صيام السنة) رواه أحمد والنسائي.
 
647- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبْدٍ يَصُومُ يوْماً في سبيل الله إلا باعد اللهُ بذلك اليومِ عنْ وجههِ النّار سبعين خريفاً" مُتّفقٌ عليه واللفظ لمسلم.
 
الحديث دليل على فضيلة الصوم في الجهاد ما لم يضعف بسببه عن قتال العدوّ.
 
648- وعنْ عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: "كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يصُوم حتى نقولَ لا يُفطر، ويُفْطِرُ حتى نقولَ لا يصومُ، وما رأيْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَل صيامَ شهرٍ قطُّ إلا رمضَانَ، ومَا رَأَيْتُهُ في شهرٍ أَكْثر مِنْهُ صياماً في شَعبان" مُتّفقٌ عَلَيْه واللفظ لمسلم.
 
فيه دليل على أن صومه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مختصاً بشهر دون شهر، وأنه يسرد الصوم أحياناً والفطر أحيانا ولعل ذلك من كثرة الأشغال وقلتها، وفيه دليل على أنه كان يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره.
 
649- وعنْ أَبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: "أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَصُوم من الشهر ثلاثةَ أَيّامٍ: ثلاثَ عَشْرةَ وأَرْبعَ عَشْرَةَ وخمسَ عَشْرَة" رواه النسائيُّ والتِّرمذيُّ وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
 
الحديث دليل على استحباب صيام أيام البيض، ويكفي عنها ثلاثة أيام من أول الشهر أو من آخره. وأخرج أبو داود والنسائي من حديث حفصة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم في كل شهر ثلاثة أيام: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى".
 
650- وَعَنْ أَبي هُرَيْرة - رضي الله عنه - أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَحِلُّ للمرْأَةِ أَنْ تصومَ وزوْجُها شاهدٌ إلا بإذْنِهِ" مُتفقٌ عَلَيْهِ واللفظ للبخاريِّ زَادَ أَبو داود: "غَيْرَ رَمضانَ".
 
الحديث دليل على أنه يحرم على المرأة صيام التطوع إلا بإذن زوجها إذا كان حاضراً.
 
651- وَعَنْ أَبي سعيد الْخُدرِيِّ - رضي الله عنه - "أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ صيام يَوْمَيْن: يَوْم الْفطْر وَيَوْمِ النّحْر" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
 
الحديث دليل على تحريم صيام عيد الفطر وعيد النحر، وهو إجماع.
 
652- وَعَنْ نُبَيْشةَ الهُذَليِّ - رضي الله عنه - قالَ: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيام التشريق أَيّامُ أَكْل وشُرْبٍ وذكرِ لله عَزَّ وَجَلَّ" رواهُ مُسْلمٌ.
 
الحديث دليل على كراهية صيام أيام التشريق، وهي ثلاثة بعد يوم النحر.
 
653- وعن عائشةَ وابن عُمَر - رضي الله عنهم - قالا: "لم يُرَخَّصْ في أَيّام التّشريقِ أَنْ يُصَمْنَ إلا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ" رَواه البُخاريُّ.
 
الحديث دليل على جواز صيام أيام التشريق للمتمتع والقارن إذا عدم الهدي، لقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196].
 
654- وعَن أَبي هُريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تخُصُّوا ليْلةَ الْجُمُعةِ بقيامٍ منْ بين الليالي، ولا تُخصُّوا يومَ الجُمُعة بصيامٍ منْ بين الأيام إلا أن يكونَ في صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحدُكم" رواهُ مسلمٌ.
 
الحديث دليل على كراهة تخصيص ليلة الجمعة بصلاة غير معتادة، وتخصيص يومها بصيام منفرداً.
 
655- وعنهُ أَيضاً - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصومَنَّ أَحدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعْةِ إلا أَنْ يَصُومَ يوْماً قَبْلهُ أَوْ يَوْماً بَعْدهُ" مُتّفقٌ عَلَيه.
 
الحديث دليل على جواز صوم يوم الجمعة إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده، وعن جويرية - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم جمعة وهي صائمة فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غداً، قالت: لا، قال: فأفطري" رواه البخاري.
 
656- وَعَنْهُ أَيضاً - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا انْتصفَ شعبانُ فلا تصومُوا" رواه الخمْسةُ واستنْكرَهُ أَحْمَدُ.
 
الحديث دليل على كراهة الصوم في شعبان بعد انتصافه إلا أن يوافق صوماً معتاداً.
 
657- وعن الصَّمّاءِ بنتِ بُسْر - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَصُومُوا يَوْمَ السبّتِ إلا فيما افْتُرض عليكمْ، فإن لم يجد أَحدُكم إلا لحاءَ عِنَبٍ أَوْ عودَ شَجرَةٍ فَلْيَمضُغْها" رواهُ الخمسةُ ورجالهُ ثِقاتٌ إلا أنّهُ مُضْطَربٌ وقد أنكره مالكٌ وقال أبو دود هو مَنْسُوخٌ.
 
658- وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كان أَكْثر ما يَصُومُ من الأيامِ يَوْمُ السّبْتِ وَيْومُ الأحدِ. وكانَ يقُولُ: "إنهما يْوما عيدٍ للمشركين وأَنا أُريد أَنْ أُخالِفَهم"أَخرجهُ النسائيُّ وصحَّحَهُ ابنُ خزيمةَ وهذا لفظه.
 
الحديث الأول يدل على كراهة إفراد السبت بالصوم، والثاني يدل على مشروعية صيام يوم السبت والأحد، قال في سبل السلام: النهي عن صومه كان أول الأمر حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب، ثم كان آخر أمره - صلى الله عليه وسلم - مخالفتهم كما صرح به الحديث، وأخرج الترمذي من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخمس"، وحديث الكتاب دال على استحباب صوم السبت والأحد مخالفة لأهل الكتاب، وظاهره صوم كل على الانفراد والاجتماع انتهى.
 
659- وعنْ أْبي هريرة - رضي الله عنه - "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عنْ صوم يومْ عَرَفَة بعَرَفةَ" رواهُ الخمسةُ غير الترمذي وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ والحَاكِمُ، واسْتَنْكَرَهُ العُقَيْلِيُّ.
 
الحديث دليل على كراهة صوم يوم عرفة بعرفة لأنه يضعف عن الدعاء في هذا الموقف، وصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حجته مفطراً بعرفة.
 
660- وعنْ عبد الله بنِ عَمْرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا صامَ منْ صامَ الأبدَ" متفقٌ عَليه.
 
661- ولمسْلمٍ عن أَبي قتادة - رضي الله عنه - بلفظ "لا صام ولا أَفْطر".
 
الحديث دليل على كراهة صوم الدهر، ويؤيده حديث: (لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر، صم يوماً وأفطر يوماً)، (قوله: لا صام من صام الأبد)، قال ابن العربي: إن كان دعاء فيا ويح من دعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعاً فكيف يكتب له ثواب؟




Thursday, 8 October 2015



الدليل الطبي للمريض في شهر الصيام

الدكتور حسان شمسي باشا


مع إطلالة كل رمضان يتساءل كثير من المرضى فيما إذا كانوا يستطيعون الصوم أم لا، وفيما إذا كان صيام رمضان يزيد من مرضهم سوءاً، أو يفاقم من أعراضهم أم لا. 


أسئلة كثيرة تتردد على بال المرضى وأقربائهم، والبعض يقع فريسة الأوها، أو يفتيه جاهل بالطب فيصوم أو يفطر، دون الرجوع إلى طبيب أخصائي مسلم يقوّم حالته، ويعطيه النصيحة والإرشاد. 

وكثير من المرضى من يريد الصيام، وهو لا يقوى عليه، أو قد يكون في صيامه عبء على مرضه، أو تفاقم في أعراضه، وكثيراً ما كانت الآراء الطبية مبنية على خبرات ذاتية، أو على ما نشر في مقالات متفرقة هنا وهناك، وللأسف الشديد فليس هناك في كلية الطب – على حد علمي – مادة اسمها (الصيام وتأثيراته على الأمراض المختلفة)، كما أنه ليس هناك مرجع طبي يجمع كل الدراسات العلمية المنشورة في المجلات الطبية الأمريكية والأوروبية والعربية والمتعلقة بالصيام، فحتى سنوات قليلة خلت لم تكن هناك سوى دراسات محددة جداً في تلك المجالات. 

وقد سرّني أن أجد عدداً من الدراسات العلمية الحديثة، وقد نشرت حول الصيام في عدد من المجلات الطبية العالمية، فكانت هناك دراسة في مجلة (B. M. J.) البريطانية عن الصيام ومرضى السكري، وأخرى عن تأثير الصيام على الوليد، وثالثه حول تأثير الصيام على مرضى الفشل الكلوي، وهكذا، ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى وضع كتاب شامل لموقف الطب من الصيام في العديد من أمراض القلب والصدر والهضم والكلى... ويشمل كافة الدراسات العلمية الحديثة، ووصايا الخبراء في تلك المجالات. 

ولهذا قمت بتأليف كتابي (الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر الصيام) وهو الآن في طريقه إلى النور (تحت الطبع)، وقد رأيت أن أضع أمامكم ملخصاً لما جاء في ذلك الكتاب، ومن شاء المزيد من التفاصيل رجع إلى ذلك المصدر، وينبغي التنويه إلى أن هذه الإرشادات ما هي إلا وصايا عامة، ولا يمكن أن تنطبق بحال من الأحوال على كل المرضى، ويعود تقويم حالة المريض وإرشاده إلى طبيبه المختص المسلم، فهو أدرى بحاله وأعلم بأمره.

1. مريض الجهاز الهضمي في شهر الصيام: 
يعتبر شهر رمضان بحق، شهر إجازة للجهاز الهضمي، ولكن المؤسف حقاً أن يتخم الكثير منا نفسه عند الإفطار بشتى فنون الطعام والشراب، فيحوِّل سعادة المعدة والأمعاء إلى تخمة وعناء، وسنستعرض أهم أمراض الجهاز الهضمي ذات العلاقة بالصيام. 

أ) قرحة المعدة أو الإثني عشر: 
يشكو المصاب بالقرحة الحادة من آلام في المعدة عند الجوع، أو ألم يوقظه من النوم، ويخف ألم قرحة الإثني عشر بتناول الطعام، ولكن كثيراً ما يعود الألم بعد عدة ساعات. 

وينبغي على مريض القرحة المصاب بإحدى الحالات التالية للإفطار: 

القرحة الحادة: وذلك حين يشكو المريض من أعراض القرحة. كالألم عند الجوع، أو ألم يوقظه من النوم. 
في حال حدوث انتكاسة حادة في القرحة المزمنة: وينطبق في تلك الحالة ما ينطبق على القرحة الحادة. 
وكذلك الأمر عند الذين تستمر عندهم أعراض القرحة رغم تناول العلاج بانتظام. 

عند حدوث مضاعفات القرحة، كالنزيف الهضمي، أو عند عدم التئام القرحة رغم الاستمرار بالعلاج الدوائي. 
ب) عسر الهضم: 
وهي كلمة شائعة تشمل عدداً من الأعراض التي تعقب تناول الطعام، وتشمل الألم البطني وغازات البطن والتجشؤ والغثيان، وحس عدم الارتياح في أعلى البطن، وخاصة عقب تناول وجبة كبيرة، أو بعد تناولها بسرعة، أو بعد تناول طعام غني بالدسم أو البهارات. 

وكثيراً ما تتحسن أعراض هؤلاء المرضى بصيام رمضان، شريطة ألا تكون لديهم قرحة حادة في المعدة أو الأثني عشر، أو التهاب في المريء أو بسبب عضوي آخر، وشريطة تجنب الإفراط في تناول الطعام عند الإفطار والسحور. 

ج) فتق المعدة (أو فتق الحجاب الحاجز): 
يحدث فتق المعدة بشكل خاص عند البدينين، وخاصة عند النساء في أواسط العمر، ومعظم المصابين بفتق المعدة لا يشكو من أية أعراض، ولكن قد يشكو البعض من حرقة وحموضة في المعدة، وخاصة عند امتلائها أو الانحناء إلى الأمام أو الاستلقاء، حيث يعود جزء من محتويات المعدة إلى المريء. 

وينبغي على البدينين أن يسعوا جاهدين لإنقاص وزنهم، فهو خير علاج لحالتهم، وينصح المريض بتناول وجبات صغيرة عند الإفطار والسحور، مع تناول الأدوية بانتظام وتخفيف الدسم، والتوقف عن التدخين، وترك فترة 4 ساعات بين وجبة الطعام والنوم، أما إذا كانت مشقة على المريض، أو ازدادت الأعراض سوءاً بالصيام فينصح المريض بالإفطار. 

د) الإسهال: 
ينصح المريض المصاب بالإسهال بالإفطار، وخاصة إذا كان الإسهال شديداً، فلا يستطيع المريض الصيام، لعدم قدرة الجسم على تعويض ما يفقده من سوائل وأملاح بسبب الإسهال. 

وإذا صام المصاب بالإسهال فقد يصاب بالجفاف وهبوط في ضغط الدم أو يصاب بالفشل الكلوي. 

هـ) أمراض الكبد: 
ينصح المصابون بأمراض الكبد المتقدمة كتشمع الكبد وأورام الكبد بالإفطار، كما ينصح بالإفطار أيضاً المصابون بالتهاب الكبد الفيروسي الحاد، أو الاستسقاء في البطن (الحبن). 

و) عمليات قطع المعدة: 
هناك بعض المرضى الذين أجريت لهم عملية قطع أو استئصال جزء من المعدة بسبب قرحة في المعدة مثلاً، وهؤلاء المرضى يحتاجون إلى تناول وجبات صغيرة من الطعام وبطريقة منتظمة، وقد لا يستطيعون الصيام. 

2. مريض القلب في شهر الصيام: 
لا شك أن في الصيام فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب، ولكن هناك حالات معينة قد لا تستطيع الصيام. 

أ) ارتفاع ضغط الدم: 
يفيد الصيام في علاج ارتفاع ضغط الدم، فإنقاص الوزن الذي يرافق الصيام يخفض ضغط الدم بصورة ملحوظة، كما أن الرياضة البدنية من صلاة تراويح وتهجد وغيرها تفيد في خفض ضغط الدم المرتفع. 

وإذا كان ضغط الدم مسيطراً عليه بالدواء أمكن للمريض الصيام شريطة أن يتناول أدويته بانتظام، فهناك حالياً أدوية لارتفاع ضغط الدم تعطى مرة واحدة أو اثنتان في اليوم. 

ب) فشل القلب (قصور القلب): 
فشل القلب نوعان: فشل القلب الأيسر وفشل القلب الأيمن، ويشكو المريض عادة من ضيق النفس عند القيام بالجهد، وقد يحدث ضيق النفس أثناء الراحة، وينصح المصاب بفشل القلب الحاد بعدم الصيام، حيث يحتاج لتناول مدرَّات بولية وأدوية أخرى مقوية لعضلة القلب وكثيراً ما يحتاج إلى علاج في المستشفى. 

أما إذا تحسنت حالته واستقر وضعه، وكان لا يتناول سوى جرعات صغيرة من المدرات البولية فقد يمكنه الصيام. 

وينبغي استشارة طبيب القلب المسلم فهو الذي يقرر ما إذا كان المريض قادراً على الصوم أم لا، إذ يعتمد على شدة المرض وكمية المدرات البولية التي يحتاج إليها. 

ج) الذبحة الصدرية: 
تنجم الذبحة الصدرية عادة عن تضييق في الشرايين التاجية المغذّية لعضلة القلب. 

وإذا كانت أعراض المريض مستقرة بتناول العلاج، ولا يشكو المريض من ألم صدري أمكنه الصيام في شهر رمضان، بعد أن يراجع طبيبه للتأكد من إمكانية تغيير مواعيد تعاطي الدواء. 

أما مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو الذين يحتاجون لتناول حبوب النيتروغليسرين تحت اللسان أثناء النهار فلا ينصحون بالصوم، وينبغي عليهم مراجعة الطبيب لتحديد خطة العلاج. 

د) جلطة القلب (احتشاء العضلة القلبية): 
تنجم جلطة القلب عن انسداد في أحد شرايين القلب التاجية، وهذا ما يؤدي إلى أن تموت خلايا المنطقة المصابة من القلب، ولا ينصح مرضى الجلطة الحديثة، وخاصة في الأسابيع الستة الأولى بعد الجلطة بالصيام، أما إذا تماثل المريض للشفاء، وعاد إلى حياته الطبيعية، فيمكنه حينئذ الصيام، شريطة تناوله الأدوية بانتظام. 

هـ) أمراض صمامات (دسامات) القلب: 
تنشأ أمراض صمامات القلب عادة عن إصابة هذه الصمامات بالحمى الرئوية (الحمى الروماتيزمية) في فترة الطفولة، فيحدث تضيق أو قلس (قصور) في الصمام نتيجة حدوث تليف في وريقات الصمام. 

وإذا كانت حالة المريض مستقرة، ولا يشكو من أعراض تذكر أمكنه الصيام، أما إذا كان المريض يشكو من ضيق النفس ويحتاج إلى تناول المدرات البولية فينصح بعدم الصوم. 

و) من هم مرضى القلب الذين ينصحون بعدم الصيام؟
1). المرضى المصابون بفشل القلب (قصور القلب) غير المستقر. 
2). مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو غير المستجيبة للعلاج. 
3). مرضى الجلطة القلبية الحديثة. 
4). حالات التضيق الشديد أو القصور الشديد في صمامات القلب. 
5). الحمى الرئوية (الروماتيزمية) النشطة. 
6). الاضطرابات الخطيرة في نظم القلب. 
7). خلال فترة الأسابيع التي تعقب عمليات جراحة القلب. 

3. مريض الكلى في شهر الصيام: 
تقوم الكليتان بوظائف عديدة منها تنقية الدم من الفضلات الآزوتية، ومراقبة توازن الماء والشوارد في الدم، والحفاظ على توازن قلوي حامضي ثابت في الجسم، وإذا كانت الكليتان سليمتين فالصوم لهما راحة وعافية، أما عندما تصبح الكلى مريضة، فلا تستطيع القيام بالكفاءة المطلوبة لتركيز البول والتخلص من المواد السامة كالبولة الدموية وغيرها. 

ومن هنا يصبح الصيام عبئاً على المريض المصاب بالفشل الكلوي، وخصوصاً في المناطق الحارة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة البولة الدموية والكرياتنين في الدم، وينبغي على أي مريض مصاب بمرض كلوي استشارة طبيبه قبل البد بالصيام، فإذا لم يتناول مريض الكلى كمية كافية من الماء فقد يصاب بالفشل الكلوي.

أ) الحالات الحادة من أمراض الكلى: 
قد يحتاج المصاب بمرض كلوي حاد دخول المستشفى وتلقِّي العلاج هناك، وفي هذه الحالة ينبغي عدم الصوم.

ومن هذه الحالات التهاب الحويضة والكلية الحاد، والتهاب المثانة الحاد والقولنج الكلوي، والتهاب الكبب والكلية الحاد. 

ب) الحصيات الكلوية: 
إذا لم يكن لدى المرء حصيات كلوية من قبل فلا داعي للقلق في شهر رمضان، أما الذين لديهم حصيات كلوية، أو قصة تكرر حدوث حصيات في الكلى، فقد تزداد حالتهم سوءاً بالجفاف إذا لم يشرب المريض السوائل بكميات كافية. 

ويستحسن في مرضى الحصيات بالذات الامتناع عن الصيام في الأيام الشديدة الحرارة، حيث تقل كمية البول بدرجة ملحوظة مما يساعد على زيادة حجم الحصيات، ويعود تقدير الحالة إلى الطبيب المختص. 

وعموماً ينصح مرضى الحصيات الكلوية بتناول كميات وافرة من السوائل في المساء وعند السحور، مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار. 

ج) التهاب الحويضة والكلية المزمن: 
وقد تؤدي هذه الحالة بعد فترة من الزمن إلى حدوث الفشل الكلوي، ولهذا يستحسن عدم الصوم، فقد يزيد ذلك من احتمال حدوث الفشل الكلوي، ويعود تقرير ذلك إلى الطبيب المعالج. 

د) التهاب الكبب والكلى المزمن: 
وفيه تصاب الكلى بخلل في وظائفها، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث (التناذر الكلوي) وفيه يصاب المريض بوذمة (انتفاخ) في الساقين، وبنقص في ألبومين الدم، وظهور كميات كبيرة من البروتين في البول. 

وينصح هؤلاء المرضى بعدم الصوم، وخاصة إذا كان المرض مصحوباً بالتناذر الكلوي وارتفاع ضغط الدم أو الفشل الكلوي. 

هـ) الفشل الكلوي المزمن: 
تمر بعض أمراض الكلى بمراحل قد تنتهي بما يسمى الفشل الكلوي المزمن، وذلك حينما يتخرب قسم كبير من أنسجة الكليتين، ويشكو المريض حينئذ من الإعياء والفواق وكثرة التبول، والتبول الليلي والعطش.

ويرتفع في تلك الحالة مستوى البولة الدموية والكرياتنين، وقد يزداد بوتاسيوم الدم، وينصح مرضى الفشل الكلوي المزمن بعدم الصوم، أما إذا كان المريض يتلقى الغسيل الكلوي فربما يستطيع الصوم في اليوم الذي لا يجري فيه غسيل الكلى، ويفطر في يوم الغسيل الكلوي، ومرة أخرى ينبغي على المريض استشارة طبيبه المختص في ذلك. 

4. مريض السكري في شهر الصيام: 
يقسم مرضى السكر إلى فئتين، فئة تستطيع الصوم وأخرى تُمنع من الصوم. 

أ) مريض السكري الذي يستطيع الصوم: 
مريض السكري الكهلي (سكري النضوج) الذي يعالج بالحمية الغذائية فقط. 
مريض السكري الكهلي الذي يعالج بالحمية الغذائية والأقراض الخافضة لسكر الدم: وهذه الفئة تقسم بدورها إلى قسمين: 
1). المريض الذي يتناول حبة واحدة يومياً: يستطيع الصيام عادة، على أن يفطر بعد أذان المغرب مباشرة على تمرتين أو ثلاث تمرات مع كأس من الماء، وبعد صلاة المغرب يتناول وجبة الدواء ثم يبدأ بالوجبة الرئيسية للإفطار. 

2). الذي يتناول حبتين يومياً: يستطيع الصوم عادة، على أن يتناول حبة واحدة قبل الإفطار ونصف حبة قبل السحور بدلاً من الحبة الكاملة التي كان يتناولها قبل شهر رمضان، وهكذا لأكثر من حبتين يومياً، بحيث يكون المبدأ إنقاص جرعة ما قبل السحور إلى النصف بناء على توصية طبيبه المعالج. 

ب) مريض السكري الذي لا يستطيع الصوم: 
1. مريض السكري الشبابي (المريض الذي يصاب بمرض السكري دون الثلاثين عاماً من العمر). 
2. مريض السكري الذي يحقن بكمية كبيرة من الإنسولين (أكثر من 40 وحدة دولية يومياً)، أو الذي يتعاطون الإنسولين مرتين يومياً. 
3. المريض المصاب بالسكري غير المستقر. 
4. المريضة الحامل المصابة بالسكري. 
5. المريض المسنّ المصاب بالسكري لسنين طويلة، وفي الوقت نفسه يعاني من مضاعفات مرض السكر المتقدمة. 
6. المريض الذي أصيب بحماض ارتفاع السكر قبل شهر رمضان بأيام أو في بدايته. 

وينبغي التأكيد على الحقائق التالية: 
1. يجب على المريض الذي يصاب بنوبات نقص السكر أو الارتفاع الشديد في سكر الدم أن يقطع صيامه فوراً، لأنه يضطر إلى علاج فوري. 
2. ينبغي تقسيم الوجبات إلى ثلاثة أجزاء متساوية، الأولى عند الإفطار، والثانية بعد صلاة التراويح، والثالثة عند السحور. 
3. يفضّل تأجيل وجبة السحور قدر الإمكان. 
4. الحذر من الإفراط في الطعام، وخاصة الحلويات أو السوائل المحلاَّة.
وبصفة عامة فإن السماح بالصيام أو عدمه إضافة إلى تنظيم الدواء وأوقات تناولها يعود إلى الطبيب المعالج دون غيره. 

5. مريض الصدر في شهر الصيام: 
كثيراً ما تأتي أمراض الصدر فجأة على شكل التهاب في القصبات أو التهاب في الرئة. 

أ) التهاب القصبات الحاد: 
إذا كانت حالة التهاب القصبات الحاد بسيطة، فإن المريض يستطيع تناول علاجه ما بين الإفطار والسحور، أما إذا احتاج الأمر لمضادات حيوية تعطى كل 6 – 8 ساعات، أو إذا كانت الحالة شديدة فينصح بالإفطار حتى يشفى من الالتهاب.

ب) التهاب القصبات المزمن: 
وفيه يشكو المريض من سعال مترافق ببلغم يومياً ولمدة ثلاثة أشهر متتابعة ولسنتين متتابعتين على الأقل. 

وإذا كانت حالة المريض مستقرة استطاع الصيام دون مشقة تذكر، أما في الحالات الحادة التي تحتاج إلى مضادات حيوية أو موسعات القصبات أو البخاخات الحاوية على مواد موسعة للقصبات فيقدّر الطبيب المختص ما إذا كان المريض يستطيع الصوم أم لا. 

ج) الربو القصبي: 
قد تكون نوبات الربو خفيفة لا تحتاج إلى تناول أدوية عن طريق الفم، كما يمكن إعطاء المريض الأقراص المديدة التأثير عند الإفطار والسحور، وكثير من مرضى الربو من يحتاج إلى تناول بختين أو أكثر من بخاخ الربو عند الإحساس بضيق في الصدر، ويعود بعدها المريض إلى ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي، ولا ينبغي للمريض عند حدوث الأزمة متابعة الصيام، بل عليه تناول البخاخ فوراً، ومن العلماء الأفاضل من أفتى بأن هذه البخاخات لا تفطر. 

ولكن ينبغي الإفطار قطعاً عند حدوث نوبة ربو شديدة حيث كثيراً ما يحتاج المريض إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج المكثف لها. 

كما ينبغي الإفطار إذا ما أصيب بنوبة ربو لم تستجب للعلاج المعتاد، ويجب التنبه إلى أن الانقطاع عن الطعام والشراب في تلك الحالات يقلل بشكل واضح من سيولة الإفرازات الصدرية، وبالتالي يصعب إخراجها. 

د) السل (التدرُّن الرئوي): 
يستطيع المريض المصاب بالسل الصيام إذا كانت حالته العامة جيدة وفي غياب أية مضاعفات، شريطة أن يتناول المريض دواءه بانتظام، وتعطى أدوية السل عادة مرة واحدة أو مرتين في اليوم، أما في المرحلة الحادة من المرض فيستحسن عدم الصيام حتى يتحسن وضع المريض العام.

6. أمراض الغدد في شهر الصيام: 
الغدد الصماء: هي مجموعة من الأعضاء في جسم الإنسان تختص بإفراز الهرمونات. وأهم هذه الغدد: الغدة النخامية، والغدرة الدرقية، والغدد الكظرية، ومجاورات الدرق، والمبيضان والخصيتان والبنكرياس. 

أ) أمراض الغدد الدرقية: 
1). فرط نشاط الغدة الدرقية: 
وينجم عن إفراز كميات زائدة من هرمون الثيروكسين، ويشكو المريض عادة من تضخم في الغدة الدرقية (في أسفل الرقبة) ونقص في الوزن ورجفان وخفقان. 

وإذا كانت حالة المريض مستقرة أمكنه الصوم، شريطة تناول الأدوية بانتظام. 

2). قصور الغدة الدرقية: 
ويشكو المريض في هذه الحالة من الوهن والإعياء الشديد ونقص في النشاط الفكري والعصبي. 

ويعطى هرمون الثيروكسين مرة واحدة يومياً كعلاج لهذه الحالة، وبذلك يمكن للمريض الصيام دون أي تأثير خاص. 

3). أورام الغدة الدرقية: 
ليس للصوم تأثير على أورام الغدة الدرقية، ويمكن للمريض الصيام، وعلاج أورام الدرق عادة جراحي. 

4). التهابات الغدة الدرقية الحادة: 
وتسبب عادة ألماً في الغدة وقد تحدث الحمى، مما قد يجعل الصوم غير ممكن في المرحلة الحادة، شأنه في ذلك الأمراض الحادة، أما الالتهابات المزمنة للغدة الدرقية فلا تتعارض عادة مع الصوم. 

ب) أمراض الغدة الكظرية:
الكظران غدتان تقعان فوق الكليتين وتفرزان عدة هرمونات أهمها الكورتيزول والألدوسترون والهرمونات التناسلية. 

وأمراضها عادة غير شائعة وأهمها: 

1- مرض كوشينغ: 
وفيه يحدث وهن في الجسم، وارتفاع ضغط الدم، وبدانة مركزية تتجنب الأطراف وتدور في الوجه، كما قد يحدث فيه مرض السكر، ولا ينصح فيه بالصوم. 

2- مرض أديسون: 
ويحدث فيه قصور في إفراز الكورتيزول، نتيجة تلف في الغدد الكظرية، ويحدث فيه انخفاض في ضغط الدم ووهن شديد وتغير في لون البشرة يميل إلى السواد... إلخ. 

وينبغي فيه تجنب الصوم، خصوصاً وأنه قد يصاحبه هبوط سكر الدم. 

3- الورم القتامي : 
وهو مرض نادر يسبب ارتفاعاً متأرجحاً في ضغط الدم ونوبات من التعرق والخفقان والوهن العام. 

وينصح فيه بتجنب الصوم، والاستئصال الجراحي لهذا الورم يتلوه عادة شفاء تام، مما يجعل الصوم ممكناً. 

ج) أمراض الغدة النخامية: 
وهي أيضاً أمراض نادرة، وأهمها مرض (ضخامة النهايات) وقصور الغدة النخامية، وينصح فيهما بعدم الصوم. 

7. الأمراض العصبية والنفسية في شهر الصيام: 
أ) الصرع: 
يستطيع المصاب بالصرع أو الاختلاجات الصيام، شريطة أن يتناول الأدوية المضادة للاختلاج بانتظام، فهناك حالياً أدوية تعطى مرة واحدة باليوم للسيطرة على الاختلاجات. 

ب) الاكتئاب: 
يستطيع مريض الاكتئاب الصيام شريطة أن يتناول الأدوية المضادة للاكتئاب بانتظام، وتعطى هذه الأدوية عادة مرة أو مرتين في اليوم. 

ج) مريض الفصام: 
لا يجوز لمريض الفصام الصيام، فإن التوقف عن استعمال أدوية الفصام قد يؤدي إلى نوبات من العنف والضلالات الخاطئة والهلاوس، وقد يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الآخرين.

8. الحامل والمرضع في شهر الصيام: 
أوضحت الدراسات العلمية الحديثة أن صيام رمضان يؤدي إلى تغيرات فسيولوجية وكيميائية عند الحامل، ولكنها لا تؤثر على الحامل السليمة البدن والتي لا تشكو من أية أمراض عضوية. 

ومع ذلك لا يمكن إطلاق قول حاسم على كل الحوامل والمرضعات بحيث تقول إن هناك حامل أو مرضع تستطيع الصيام، وأخرى لا تقدر عليه. وإذا ما شعرت الحامل والمرضع بصداع شديد، أو (زغللة) في العينين، أو هبوط وإجهاد عام، أو عدم القدرة على القيام بأي نشاط فإن ذلك يعني حدوث انخفاض واضح في سكر الدم، أو أن هناك أمراً غير طبيعي، وعليها استشارة الطبيب المعالج. 

أ) ما هي الأحوال المرضية التي تجيز للحامل الإفطار؟ 
انخفاض ضغط الدم الانقباضي (الرقم الأعلى) عن 100 ملم زئبقي، حيث قد يسبب هذا الانخفاض إحساساً بالإغماء إضافة إلى عدم القدرة على التركيز. 
القي المصاحب للحمل، وخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. 
التسمم الحملي: حيث يحدث ارتفاع في ضغط الدم، ويظهر الزلال في البول كما تحدث وذمة في الأطراف. 
حدوث انخفاض في سكر الدم. 
وجود مرض عضوي، وذلك تحت إشراف الطبيب المعالج. 
والخلاصة: فإن موضوع صيام الحامل في شهر رمضان يعتمد على حالة الحامل والجنين قبل دخول شهر رمضان، فإن كانت كافة المؤشرات والفحص السريري تشير إلى تمام صحة الحامل والجنين فإن الطبيب على الأغلب سيشير بالاستمرار في الصيام، ويعود تقرير ذلك إلى الطبيبة أو الطبيب الأخصائي المسلم. 

9. الرضاعة والصيام: 
يمكن للمرأة المرضع صيام شهر رمضان، شريطة أن يكون هناك تعويض في نوعية الطعام والشراب أثناء شهر رمضان في الفترة المسائية، وشريطة أن لا تتأثر كمية ونوعية الحليب (اللبن) عند الطفل الرضيع. 

أما إذا خافت المرضع على نفسها أو رضيعها من جرَّاء الصيام، أو أثَّر ذلك على الرضاعة، جاز لها أن تفطر. 

والخلاصة: فإن تقرير إمكانية الصيام أو عدمه ليس بالأمر السهل، ولا يمكن تقرير قواعد عامة لجميع المرضى، بل ينبغي بحث كل مريض على حدة، ولا يتيَّسر ذلك الأمر إلا للطبيب المسلم المختص، فهو يملك ما يكفيه من المعطيات التي تمكنه من نصح مريضه بإمكانية الصوم أو عدمه. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


نص السؤال ما الحكمة من مشروعية الصيام ؟ وكم صام النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وأيضًا ما معنى : « أفطر الحاجم والمحجوم » 

نص الإجابة الحمد لله : الصيام فيه حكم عظيمة منها ما ذكره الله في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: : 183] فبيّن سبحانه وتعالى أن الصيام سبب لحصول التقوى ، والتقوى مزية عظيمة وهي جماع الخير ، فالصائم يكتسب التقوى والصيام يجلب التقوى للعبد ؛ لأنه إذا صام فإنه يتربى على العبادة ويتروض على المشقة وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان ، وبهذا تحصل له التقوى وهي فعل أوامر الله عز وجل وترك نواهيه طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه ، فهذا من أعظم المزايا أن الصيام يسبب للعبد تقوى الله سبحانه وتعالى والتقوى هي جماع الخير ، وهي رأس البر وهي التي علَّق الله عليها خيرات كثيرة وكرر الأمر بها في كتابه وأثنى على أهلها ووعد عليها بالخير الكثير وأخبر أنه يحب المتقين ، ومن فوائد الصيام أنه يربي الإنسان على ترك مألوفه تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى ؛ ولهذا يقول الله جلّ وعلا في الحديث القدسي: « الصوم لي وأنا أجزي به ، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي » [رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه ، " فهذا فيه امتحان للصائم في أنه ترك شهوته وملذاته ومحبوباته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وآثر ما يحبه الله على ما تحبه نفسه ، وهذا أبلغ أنواع التعبد وهذا من أعظم فوائد الصيام ، وكذلك الصيام يعوِّد الإنسان على الإحسان وعلى الشفقة على المحاويج والفقراء ؛ لأنه إذا ذاق طعم الجوع فإن ذلك يرقق قلبه ويلين شعوره لإخوانه المحتاجين ، والصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات ؛ لأنه عاش في المدينة عشر سنوات والصيام فُرض في السنة الثانية منها فيكون عليه الصلاة والسلام قد صام تسع رمضانات ، وأمّا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: « أفطر الحاجم والمحجوم » [رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118. من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه] فمعناه أنه يفسد صيام الحاجم : وهو الذي يسحب الدم بالقرن ، والمحجوم : هو الذي يُسحب منه الدم فالاثنان أفطرا أما إفطار المحجوم فلخروج الدم الكثير منه وذلك مما يضعفه عن الصيام ، وأما إفطار الحاجم فلأنه مظنة أن يتطاير إلى حلقه شيء من الدم والمظنة تنـزل منـزلة الحقيقة فأفطر من أجل ذلك وسدًا للذريعة ، وحديث: « صوموا تصحوا » [انظر المقاصد الحسنة ص381، وتمييز الخبيث من الطيب ص88، وأسنى المطالب ص167، ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص179. وذكره غيرهم]. يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بعض كتب السنة وإن لم يكن سنده بالقوي ومعناه صحيح ؛ لأن الصيام فيه صحة للبدن ؛ لأنه يمنع الأخلاط التي تسبب الأمراض ، وهذا المعنى يشهد به علماء الطب والتجربة الأكبر برهان .


الصوم الحقيقي
وصوم المريض والمسافر

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أمَّا بعدُ:
ها نحن في مطلع هذا الشهر الكريم، وما أسرع ما ينقضي كما انقضى غيره من الشهور، فلنُحسن العمل فيه، ولنستثمر أوقاته فيما يُقربنا إلى الله، فالمغبون الحقيقي هو مَن غبَن الأوقات الفاضلة، فانقضت في لهوٍ وغفلة، وغيره يقضيها في بر وطاعة، يترقى في درجات الكمال، من لم يتعرض لجود الله وكرمه في هذا الشهر، ويُقبل على طاعته، ويبتعد عن معصيته، فأحرى ألا ينتفع بغير رمضان، فمن ضيَّع هذا الشهر الفاضل الذي يجد فيه الصائمون من العون على الطاعة ما لا يجدونه في غيره من الشهور، فهو لما سوى رمضان أضيع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر، فلم يدخلاه الجنة)؛ رواه الترمذي (3545)، وقال: حديث حسن غريب.

فمن أدرك رمضان ولم يغفر له، فلم يحصل إلا الرغام وهو التراب، وهذا كناية عن الذل والمهانة؛ فلنحرص على المحافظة على صلاة التراويح؛ فصلاة التراويح دقائق قليلة تنقضي ويبقى أجرها نجده في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الحسنات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)؛ رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

ولنحافظ عليها كاملة مع الإمام؛ ليكتب لنا بهذه الدقائق القليلة أجر قيام ساعات طوال، ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه في قيامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قال: "قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: فقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف، حُسِب له قيام ليلة)"؛ رواه أبو داود (1375) وغيره بإسناد صحيح.

إخوتي، تجدوننا نحرص على تجنُّب المفطرات الحسية من أكل وشرب وغيرهما، ونسأل عما يشكل علينا: هل هذا من المفطرات أم لا؟ وربما تجنَّبنا بعض الأشياء ورعًا؛ لأن بعض أهل العلم عدَّها من المفطرات، وهذا حسن، لكن البعض يغفل عن المفطرات المعنوية التي تفسد أجر الصيام أو تنقصه، من المحرمات التي هي محرمة في الصيام وغير الصيام، فلا تصوم جوارحه عن الحرام، وقد لفت النبي لهذا المعنى في توجيهه لنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتَله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقِي ربَّه فرِح بصومه)؛ رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصائم حين يتعرض لأمر قد يتسبب في استفزازه، ومن ثم يقع في الخطأ، أرشده أن يقول: "إني امرؤ صائم"، صائم عن أشياء محرمة عليّ أثناء النهار فقط، فمن باب أَوْلَى أن أُمسك عما حرَّم الله عليّ دائمًا من التعرض للمسلمين والاعتداء عليهم، فمن صام عن الأشياء المحرمة في نهار الصيام فقط، فحَرِيٌّ أن يصوم عن المحرمات مطلقًا في رمضان وغيره، فمن أصر على المحرمات، فلم يصم الصوم الحقيقي الذي ينتفع به صاحبه، ولم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

بعض مساجدنا تشتكي من الإزعاج أثناء صلاة التراويح والقيام، فالواجب على الآباء تعاهُد أبنائهم والتأكد من أنهم ليسوا طرفًا في الضوضاء، وليس من الحسن أن يتغافل الأب عن أبنائه حتى يوجه إليه العتب المباشر.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعدُ:
فمن لُطف الله بعباده أن شرع لهم دينًا في أصله اليسر؛ ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].

وإذا عرض عارض غير معتاد على المسلم يتسبَّب في المشقة، يسَّر الله عليهم تيسيرًا زائدًا على أصل الدين؛ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

ومن الذين خفَّف عليهم في الصيام: المريض والمسافر، فالمريض الذي يطيق الصيام لا يخلو من أحوال:
الأولى: ألا يتضرر بالصوم؛ لكون المرض خفيفًا كالصداع، أو يكون المرض شديدًا لكنَّه لا يزيده الصيام، ولا يشق عليه الصيام، ولا يحتاج لتناول دواء في النهار، فلا يفطر؛ لأنَّ المبيح للفطر العذر، وهو غير موجود، فهو شاهد للشهر لا يؤذيه الصوم، فلزِمه الصوم كالصحيح.

الثانية: أن يشق عليه الصيام من غير ضرر، فالسنة الفطر، ويُكره الصيام؛ لأنَّه يترك تخفيف الله ورُخصته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه"؛ رواه البخاري (3560)، ومسلم (2327).

فمن أخذ بالشاق، فقد خالف سُنة النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالثة: أن يضره الصيام بتأخر الشفاء، أو بزيادة المرض، أو بخوف الهلاك، فالفطر واجب، ويحرم الصيام لإضراره بنفسه، وقد نهى ربنا تبارك وتعالى عن ذلك: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

أما المريض الذي لا يمكن أن يقضي لاستمرار مرضه، ويرجع في تقدير ذلك لأهل الطب أو لأصحاب الخبرة، فيطعم بعد انقضاء رمضان عن كل يوم مسكينًا - مُدًّا من الأرز أو البر؛ أي: نصف كيلو - فالطعام بدل عن الصيام، فإذا لم يستطع المريض الصيام، وجب عليه البدل، وهو الإطعام، ومثل المريض كبير السن الممتع بعقله، أما الهرم المُفند - وهو الذي أنكر عقله - فلا يجب عليه الصيام ولا الإطعام؛ لأنه غير مكلف.

وكذلك المسافر لا يخلو من أحوال:
الأولى: أن يستوي عنده الصيام والفطر، فيقوى على الصيام من غير مشقة، فالأفضل الصيام؛ لأنَّه أسرع لإبراء الذمة، وأسهل على المكلف غالبًا، ويتدارك الزمن الفاضل؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة رضي الله عنه؛ رواه البخاري (1945)، ومسلم (1122).

فيحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة رضي الله عنه على عدم المشقة، والله أعلم.

الثانية: أن يكون أحدهما أيسر له، فإن كان الأيسر له الفطر، فالأفضل الفطر، وإن كان الأيسر له الصيام، فالأفضل الصيام؛ قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنَّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أنَّ من وجد قوة فصام، فإنَّ ذلك حسن، ويرون أنَّ من وجد ضعفًا فأفطر، فإنَّ ذلك حسن"؛ رواه مسلم (1116)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/186): هذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع، والله أعلم.

الثالثة: أن يكون الصوم يشق عليه من غير ضرر، فالأفضل الفطر، ويُكره الصيام؛ فعن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحامًا ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: (ما هذا؟)، فقالوا: صائم، فقال: (ليس من البر الصوم في السفر)؛ رواه البخاري (1946)، ومسلم (1115).

فليس من البر أن يجهد الصائم نفسه حتى يبلغ بها هذا المبلغ من التعب والمشقة، وقد رخَّص الله له في الفطر، والحديث خرج على سبب، فيقصر عليه وعلى مَن كان في مثل حاله.

الرابعة: أن يكون الصوم يشق عليه مع الضرر، فيحرم الصوم لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

وعن جابر بن عبدالله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاع الغَمِيم - هو ما يعرف اليوم ببرقاء الغميم - فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إنَّ بعض الناس قد صام، فقال: (أولئك العصاة، أولئك العصاة)، وفي رواية: فقيل له: إنَّ الناس قد شق عليهم الصيام، وإنَّما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر؛ رواه مسلم (1114).



تعريب وتطوير ( ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates