خبير الاعشاب والتغذية العلاجية عطار صويلح 00962779839388

Showing posts with label *الدعاء *. Show all posts

Tuesday, 6 October 2015



سنن رمضان والصوم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فلا يخفى على القارئ الكريم فضل شهر رمضان المبارك، كيف وقد اختصه الله جل وعلا بإنزال القرآن فيه، وخصه بمزيد فضل على غيره من الشهور، ويحسن بنا أن نذكر بعض السنن والمستحبات التي تستحب في هذه الشهر العظيم، تذكيراً للكاتب والقارئ، نسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإلى الشروع في المقصود:

السنة الأولى:
التهنئة في قدوم شهر رمضان المبارك، ودليله ما روى أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان يقول: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في لطائف المعارف: "قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان".

السنّة الثانية:
تعجيل الفطر عند غياب الشمس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" رواه البخاري ومسلم، قال ابن عبد البر: "أخبار تعجيل الفطر وتأخير السحور متواترة"، وننبه على أنه لابد من التحقق من غياب الشمس تحققاً تاماً.

السنة الثالثة:
تفطير الصائمين، قال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا"، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائماً كتب له مثل أجره إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" رواه النسائي والترمذي وصححه، وروى الترمذي والنسائي من حديث أم عمارة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكِلَ عنده حتى يفرغوا، وربما قال: حتى يشبعوا" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

السنة الرابعة:
الفطر على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، ودليله ما جاء عن سلمان بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور" رواه الخمسة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

السنة الخامسة:
السحور، وهو أكلة السحر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" رواه البخاري ومسلم، والأمر بالسحور على الاستحباب كما قرر هذا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، كما يسن أن يكون السحور في الجزء الأخير من الليل، لقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: "تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، فقلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية"، رواه البخاري ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور" رواه أحمد، ويحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح.

السنة السادسة:
قيام رمضان، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، رواه البخاري ومسلم، وروى جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله، نفّلتنا بقية ليلتنا هذه، قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله، ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث ليال من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور". رواه أبو داود والنسائي.

السنة السابعة:
الإكثار من قراءة القرآن في رمضان, قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان", وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلمت القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود من الريح المرسلة"، وفي الصحيحين أيضاً من حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً.
قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف: فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر.

السنة الثامنة:
الاعتكاف في مسجد في العشر الأواخر من رمضان، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان" رواه البخاري، وشرع الاعتكاف طلباً لليلة القدر التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، وفي فضلها يقول مجاهد رحمه الله: ليلة القدر خير من ألف شهر، قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر. رواه ابن جرير.

السنة التاسعة:
الإكثار من الدعاء، لاسيما في العشر الأواخر حيث تُتَحرى ليلة القدر, وقد ختم الله جل وعلا الآيات التي تبين فرضية الصيام في سورة البقرة بقوله تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان".

السنة العاشرة:
الاجتهاد في جميع أنواع العبادات، وقد سبق معنا حديث ابن عباس في البخاري وقوله: "كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل" الحديث، قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف:
وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه.
ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا.
وفي حديث زيد بن خالد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء".
ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لاسيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها، قالوا : لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام"، وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم، والمباعدة عنها، وخصوصاً إن ضُمَّ إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصيام جنة".
ومنها: أن الصيام لابد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه.
ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوِّي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوةً لله وآثر بها، أو واسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر، لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذٍ، فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه.

السنة الحادية عشرة: 
إن سابه أحد فليقل: إني صائم، لما جاء في الحديث: "فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" رواه البخاري.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن كنت صائماً فلا تجهل ولا تساب، وإن جهل عليك فقل: إني صائم.

السنة الثانية عشرة:
العمرة في رمضان، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة".

ختاماً:
روى ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
نسأل الله تعالى أن يوفق الكاتب والقارئ للخير والسداد، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



مسائل في الدعاء القرآني 
صيغ الدعاء القرآني

بسم الله الرحمن الرحيم

في رمضان يجتمع القرآن والدعاء، والقرآن أفضل الكلام، والدعاء هو العبادة، فإذا كان اختيار عبادة الدعاء من أفضل الكلام كان ذلك أفضل الدعاء، وخير الدعاء. 

وفي الدعاء القرآني مسائل كثيرة جديرة بالبحث والتأمل، وهذه محاولة للمشاركة في هذا الباب من الخير في هذا الشهر الذي هو شهر القرآن والدعاء، وسأفرد كل مسألة بمقالة، وأحاول أن تكون في كل يومين مقالة إن أسعفني الوقت للكتابة. 

وتسرني تعقبات إخواني ممن له علم في هذا الباب، أن يرشدوني ويوجهوني، ويصححوا خطئي؛ فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، سواء كان ذلك علنا بتعقب ينشر في الشبكة حتى يستفيد القراء وهذا أحسن فلست أحرج من ذلك، أو كان خاصا على بريدي (hogail22@gmail.com ) وأسأل الله تعالى أن ينفع بها قارئها، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، إنه سميع مجيب. 

صيغ الدعاء في القرآن:
أشهر الصيغ القرآنية في الدعاء وأكثرها (ربنا) للجمع وردت في قرابة (70) موضعا، و(رب) وردت في أكثر من (مئة) موضع للمفرد. 

وجاء الدعاء بصيغة (اللهم) في أربعة مواضع فقط:

الأول والثاني: في سياق الأمر بهذه الصيغة؛ وذلك في قوله تعالى [قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {آل عمران:26} وقوله تعالى [قُلِ اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ] {الزُّمر:46}. 

الثالث: في الإخبار عن دعاء المشركين يوم بدر، قال تعالى [وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] {الأنفال:32}. 

الرابع: في الإخبار عن دعاء أهل الجنة قوله تعالى [دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] {يونس:10} 

وجاء الجمع بين الصيغتين في موضع واحد، وهو قول الله تعالى [قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ] {المائدة:114}.

وأما بقية الصيغ المتداولة عند الناس نحو: إلهنا، وسيدنا، ومولانا... فلم أعثر على شيء منها في القرآن الكريم.

ولذا استحب الإمام مالك رحمه الله تعالى أن يدعو بصيغة الربوبية؛ لأنها أكثر ما ورد في القرآن، فيقول الداعي أو الداعون (رب أو ربنا) عن ابن وهب قال: سئل مالك عن الداعي يقول: يا سيدي، فقال: يعجبني دعاء الأنبياء: ربنا. [الحلية: 6/320]. ونقل ابن تيمية عن مالك أنه قال: أكره للرجل أن يقول في دعائه: يا سيدي يا سيدي، يا حنان يا حنان ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء؛ ربنا ربنا. نقله عنه العتبي في العتبية. [الفتاوى:10/285].

ووجَّه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمها الله تعالى ذلك بأن الأليق في دعاء المسألة استخدام صيغة الربوبية، وفي دعاء الثناء استخدام صيغة الألوهية.

قال ابن تيمية:"الله" هو الإله المعبود فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله و"الرب" هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة.[الفتاوى: 14/ 12-13]. 

وقال أيضا: فإذا سبق إلى قلب العبد قصد السؤال ناسب أن يسأله باسمه الرب. وإن سأله باسمه الله لتضمنه اسم الرب كان حسنا، وأما إذا سبق إلى قلبه قصد العبادة فاسم الله أولى بذلك. إذا بدأ بالثناء ذكر اسم الله، وإذا قصد الدعاء دعا باسم الرب. [الفتاوى: 10/ 286].

وقال ابن القيم: وتأمل كيف صدر الدعاء المتضمن للثناء والطلب بلفظة (اللهم) كما في سيد الاستغفار...وجاء الدعاء المجرد مصدرا بلفظ الرب نحو قول المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}...وسر ذلك: أن الله تعالى يسأل بربوبيته المتضمنة قدرته وإحسانه وتربيته عبده وإصلاح أمره، ويثنى عليه بإلهيته المتضمنة إثبات ما يجب له من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وتدبر طريقة القرآن تجدها كما ذكرت لك. [بدائع الفوائد: 2/193-194]. 

فالإمام مالك رحمه الله تعالى يرى أن الدعاء بلفظ الربوبية (رب، ربنا) دعاء الأنبياء فأعجبه، وكره غيره، وفسر ابن تيمية وابن القيم أن ذلك أليق بدعاء المسألة، كما أن الأليق بدعاء الثناء أن يكون بلفظ الألوهية (اللهم)، وأكدا ذلك في مواضع من كتبهم.

قلت: ما قرره الأئمة الأجلاء فائق من جهة المعنى، ولكنه يحتاج إلى مزيد نظر وتحقيق، فالظاهر أن الغالب على الدعاء الوارد في القرآن أن يكون بلفظ الربوبية ولو كان فيه ثناء على الله تعالى، وأغلبه دعاء الأنبياء عليهم السلام، وإلا ففي القرآن دعاء الملائكة، ودعاء الصالحين، وكله بلفظ الربوبية سواء اقتصر على مسألة أو سبق بثناء قبلها، ففي دعاء الملائكة [رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ] {غافر:7}. وفي دعاء أولي الألباب [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] {آل عمران:191} فهذه مسائل سُبقت بثناء على الله تعالى، ومع ذلك كانت صيغة الدعاء فيها بلفظ الربوبية لا بلفظ الألوهية.

والسنة على العكس من ذلك فالغالب في أدعيتها أن تكون بلفظ الألوهية سواء كانت ثناء أم مسائل، وسواء كان دعاء أنبياء أم ملائكة أم صالحين:

ففي مسائل الأنبياء عليهم السلام دعوة الخليل لما زار أهل إسماعيل في مكة قَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ» [رواه البخاري: 3364]. 

وفي مسائل الملائكة قول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " [رواه مسلم: 1442]. ودعاؤهم لمن جلس في المسجد اللهم اغفر له اللهم ارحمه.

وفي دعاء الصالحين دعاء الثلاثة أصحاب الغار فإن كل واحد منهم سأل الله تعالى بعمل صالح وصدر سؤاله ب (اللهم) [رواه البخاري: 2215، ومسلم: 2743].

وفي دعاء الثناء على الله تعالى قبل المسألة حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» [رواه مسلم: 2713].

وأدعية المسألة المجردة بلا ثناء أيضا جاءت في السنة بلفظ الألوهية سواء كانت مؤقتة كأدعية الخلاء والجماع والطعام والشراب ودخول المسجد والخروج منه ونحوها، أم كانت دعوات لأشخاص كدعوته صلى الله عليه وسلم لأنس وابن عباس وحسان رضي الله عنهم، أو دعوته على أناس كدعوته على نفر من كفار مكة، وعلى رعل وذكوان وعصية، أو كانت دعوات مطلقة وهي كثيرة جدا، وكل ما وقفت عليه منها في الصحيحين فهي بلفظ الألوهية.

وهذا يدل على أغلبية الدعاء بلفظ الربوبية في القرآن حتى أشبه أن يكون مختصا به، وعلى أغلبية الدعاء بلفظ الألوهية في السنة حتى كان مختصا بها، وليس لأجل أنه دعاء الأنبياء عليهم السلام كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ لأن غالب دعاء النبي عليه الصلاة والسلام بلفظ الألوهية، بينما دعاء الرسل غيره مما جاء في القرآن بلفظ الربوبية، وليس التفريق بينهما لأجل الاختلاف بين دعاء المسألة والطلب كما قرره الإمامان ابن تيمية وابن القيم، فلعل ذلك لأجل النظم القرآني وبلاغته أو غير ذلك. 

وعليه فلو دعا ب (رب أو ربنا) فهو دعا بالصيغة الأغلب في القرآن، ولو دعا ب (اللهم) فهو دعاء بالصيغة الأغلب في السنة، ولو جمع بينهما فقال (اللهم ربنا) فقد ورد الجمع بينهما في القرآن في دعاء عيسى عليه السلام، وورد في السنة من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة وخارجها؛ كما في الصحيحين وغيرهما، ولا فرق في ذلك بين دعاء المسألة والثناء، والله تعالى أعلم.
تعريب وتطوير ( ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates